عرض الأمانة بين التحلي والخيانة
عرض الأمانة بين التحلي والخيانة
طريق الإسلام: 2015-03-09
أيها الأحباب! إننا قد حملنا أمانة تراجعت عن حملها السموات والأرض والجبال، إنها أمانة التكليف، التكليف بالقيام بالحقوق، ونبذ كل تمرد أو عقوق، ومن تخلى، أو تهاون أو تسلى، دخل تحت صفة الظلم والجهل، وكان بحق المعرض النذل، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلی آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام: الملاذ الأعصم، وعروة العز الوثقى التي لا تفصم، صدق الانتماء الموجب لتحقق الاحتماء، وهل الانتماء المنجي من غوائل الغير، والمحقق لجميل الأثر، إلا الانتماء لهذا الدين بصدق، والتعاطي مع أحكامه بشوق، وفسح الباب للروح لتنطلق في معارج الذوق، فمن تحقق بالانتماء فقد عرس بالمثوى الجليل، واحتمى بالحصن الذي رفعت قواعده أكف الخليل، ونقع من ماء العزة محترم العليل، ومن ثم وجب استشعار الانتساب، إلى هذا الدين العظيم الجناب.. ولهذا الاستشعار مقتضيات، وله تجليات، فليس الأمر مجرد انتماء مقطوع عن سره، وسره ضمان الصيانة والرعاية، وحماية الحمى من كل غارة وخيانة، فالدين باعتباره مانح الاعتبار، وضامن الاستقرار، وسبب الفوز بالجنة والنجاة من النار، بهذه الاعتبارات يجب أن يكون هو أكبر همنا، وغاية رغبتنا، وحرمنا الذي نؤمن حدوده، بصدق التعاطي معه أولا، وباعتباره نجاة وسلامة وموئلاً.. هذه المعاني إذا استقرت في القلب أنتجت حبًا لازمًا، فيصبح الملتزم ملازمًا، وبالشرع قائمًا، ويخرج من صورة الحركات في العبادات أداء، إلى عوالم التفاعل الروحي انطلاقًا وارتقاءً، فيدفع ويكافح، ويذود وينافح، يفعل ذلك، لأن الدين قد امتزج بكيانه، وأصبح أعظم همه وشأنه. ومن أدرك هذه المعاني تمسك من الولاء للدين بحبل وثيق، ومن الثناء بصحيح النشر فتيق، فيصبح شغله الشاغل عز الإسلام وسلامة المسلمين، يقدم ذلك على حاجاته وأغراضه وأمواله وعقاراته وأرصدته، لأن كل تلك الأمور إنما هي صور ما تلبث أن يخفت بريقها، وتنتهي لذتها، لأنها مشوبة بالأكدار، محاطة بالأخطار، تبلى لذتها مع مرور الأيام والأعمار.. أيها الأحباب! إننا قد حملنا أمانة تراجعت عن حملها السموات والأرض والجبال، إنها أمانة التكليف، التكليف بالقيام بالحقوق، ونبذ كل تمرد أو عقوق، ومن تخلى، أو تهاون أو تسلى، دخل تحت صفة الظلم والجهل، وكان بحق المعرض النذل، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]. نعم أنت أيها العبد على ضعفك وفقرك واحتياجك، تحملت ما لم تتحمله السماوات والأرض والجبال، فإن قمت بالحق ارتقت روحك فوق السموات، وصرت أثقل في موازين الاعتبار من الجبال، وإن تخليت وأقبلت على الأرض رعيًا للشهوات، وتحصيلاً للملذات، نزلت إلى أخس حضيض، وفقدت البريق والوميض، وأصبحت في حكم المقعد المريض، وهل هناك أخطر من مرض الروح، المفقد للمعنى، المذهب للسر، المسبب للانتكاس، الموصل إلى الارتكاس. الدنيا ممر، وكلنا عابروه، والمار إما أن يترك أثره وعرفه، وإما أن يمر وليس في الناس من عرفه، والأثر المحمود ما كان للدين رافعًا، وللخلائق نافعًا، وعن الحق مدافعًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
محبكم وحافظ عهدكم وودكم:
عمر بن أحمد القزابري